القابلة

«حلقاتك برجالاتك، حلقة دهب في وداناتك، يا رب يا ربنا تكبر وتبقى قدنا، حلقاتك برجالاتك». لا أعلم لماذا لا يتركني وشأني ذلك الحلم الرهيب. دائمًا ما يقض مضجعي صوت قرع الهون على نغمة السبوع التي تلقي على الوليد تعويذة السمع والطاعة؛ ثم تظهر تلك اليد ذات العروق النافرة الملطخة بالدماء وتلقي بحفنة الأطفال الصغار الذين لا يتجاوز حجمهم حجم حبة الفول وتهزهم في الغربال فيتساقطون منه وهم يصرخون ولا أدري في أية هوة عميقة سقطوا؛ وأصحو على صوت المنبه الذي ينقذني من قرع هون السبوع الذي يكاد يصم أذني.

ما زلت أتألم في كل مرة أتناول فيها تلك الحبوب؛ لكن لابد من الذهاب إلى العمل. ذلك العمل الذي اخترته بنفسي ليكون رسالتي في الحياة، ليكون صفعة وصرخة، ليكون اختياري الحر. إننا لا نملك خيار القدوم إلى الحياة، لقد كنا نتاج قرار غيرنا. هم من تسببوا في حياتنا، جاءوا بنا لنكون سندًا لهم في الحياة، حملونا على حياة لم نخترها، وتركونا.
صراخ لا ينفك وتأوهات، فالحياة تبدأ بصرخة وتنتهي بصرخة. إنها مراسم استقبال، فالجميع في انتظار تلك المرأة التي ستنتزع الجنين إلى الحياة. ما زلت أذكرها، وأذكر حضورها بطيء الوقع ثقيل الخطوات. كم كانت توقع الرهبة في نفسي، كنت أختبئ خلف الجدار وأنظر بطرف عيني خيالها يمتد على الأرض وهي في طريقها لتنتزع الجنين كقابض الأرواح. هي من جعلتني وحيدة؛ وهي الآن في طريقها لتنتزع الحياة من امرأة أخرى. إنهم يحتفلون كقبيلة بدائية تقدم قرابين، يلقون الوليد في الغربال ويهزونه ويصمون آذانه بقرعات الهون الجنونية، ولا يهم من دفعت حياتها ثمنًا لذلك، لا يهم من بقيت وحدها تدفع ثمن ذلك؛ وها هم يحتفلون من جديد ويعيدون نفس الطقوس! كل ما كنت أخشاه أن أقع يومًا تحت رحمة تلك المرأة البغيضة لتنتزع مني الحياة. كان لابد أن يكون لي خيار، والآن أصبحت أملك هذا الخيار.
لماذا يأتون بأطفال جديدة إلى هذا العالم الجنوني؟ لا أكاد أصدق هذا العدد الهائل من حولي! هل فكروا يومًا في مصيرهم؟ هل فكروا في إذا ما كانوا مؤهلين لإنجابهم؟! أو فكروا في إذا ما كانت هذه الحياة جاهزة لاستقبالهم بعد؟ أنا نفسي لا أعرف الإجابة، فأنا لست جاهزةً بعد وربما لن أكون؛ لكنني أملك الخيار وأستطيع أن أمنحه لغيري أيضًا.

لم يعد هذا العمل يشعرني بالراحة، ولا أجد فيه الخلاص. أنا مرهقة الجسد والروح. وها هو الحلم الرهيب يراودني مجددًا. لقد أبصرت تلك اليد المضرجة بالدماء تلقي بحفنة من أشلاء الأطفال في مصفاة معدنية وتسقط عليهم وابلًا من الماء وتغتسل من دمائهم، نظرت في المرآة فأبصرتني أغسل يدي، صوت الماء يكاد يصم أذني، والألم يعتصرني، فأنا لا أضع نفسي تحت رحمة القابلة ولا سبيل أمامي سوى أن ينقذني صوت المنبه من هذا الحلم الرهيب؛ أو أن تنتزع مني هذه الحياة.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة