قلب ميت


ليس أسوأ من الملل بعد العودة من العمل! لا بل يفوقه الأرق الذي لا يداويه إلا ذلك الضوء الأزرق المنعكس على وجهي من هاتفي المحمول. لا أعرف كيف تنقضي الساعات بهذه السرعة وأنا أسحب شريط التمرير في محاولة بائسة لإيجاد جديد فلا أجد سوى إشعارات سخيفة من أصدقاء أسخف، لكن تلك الدعوة استوقفتني وأثارت حماسي. كيف خطرت لهم هذه الفكرة بعد كل هذه السنوات؟! لابد أنه الفراغ أو الرغبة في التقليد. إنها دعوة احتفالية لم شمل الدفعة! حسنًا، ولم لا؟ إنها فرصة لرؤية هؤلاء اللعينات وتبادل النميمة عن بقية الزميلات، لا بأس من معرفة بعض الأخبار الطازجة. ما هذا؟ من مضيفة هذا الحدث؟ ماذا؟! قلب ميت!!! لابد إنها معتوهة، فمن تلك التي تجرأ على اختلاس لقبي الأثير منذ أيام المراهقة؟ لا أعلم لماذا لا يمنع أصحاب الأسماء الغبية من الاشتراك على الفيس بوك؟ لماذا قدري أن أتلقى طلبات صداقة من «أنا أصلًا بنوتة مشكلة» و«أنا حبيبة جوزي» و«راجية عفو الرحمن»؟! حسنًا، إن هذا الغباء ليس بالجديد عليهن. على أية حال إنها فرصة جيدة لكسر الروتين. حسنًا لنرى موعد هذه الاحتفالية ومكانها. ماذا؟ إنها بعد ساعتين فقط في إحدى الفيلات في التجمع؟ آه، أنا أعرف هذا العنوان إنه ليس ببعيد، وما زال أمامي متسع من الوقت.
لقد كان الملل والوحدة رفيقا الليلة، لكن الحال تغير بمجرد نزولي من المنزل إذ وجدت «ماهي» إحدى أعضاء الشلة أيام الدراسة لقد وصلتها الدعوة وعندما علمت أنني في طريقها مرت عليّ للذهاب معًا. إنها ملعونة كما هي، وكالة أنباء رويترز ووكالة الاستخبارات الأمريكية في آن واحد! انطلقنا على الطريق كالمجانين وسرعان ما انضمت إلينا سيارات زميلاتنا وتسابقنا في مسيرة مثيرة، تصورت فيها كل واحدة من هؤلاء الشيطانات أن بإمكانها التغلب على صاحبة القلب الميت الحقيقية، أنا بلا فخر. كنت في عجلة من  أمري لأعرف من منهن تجرأت على انتحال لقبي. وسرعان ما وصلنا إلى الفيلا لنقابل مضيفتنا، لم أتعرف عليها في البداية لكن بدا وجهها مألوفًا بالنسبة لي. سألتني: «ألا تعرفينني؟» فأجبتها بالنفي. فضحكت الزميلات وقلن لي: «لن تصدقي من تلك؛ إنها مروة». فصحت مصدومة: «من؟ مروة؟ تلك الفتاة الجبانة الغبية؟!» فأخذن يهمسن ويلمزن ثم ضحكن في خبث وقلن: «لقد كان هذا في الماضي أما الآن …» فقاطعتهما المضيفة قائلة: «أما الآن فقد تغير الحال وأصبحت صاحبة قلب ميت!» فغضبت من وقاحتها وتحديها السافر لي، لم أكن غاضبة من اختلاس لقبي فحسب، بل لأنها هي من انتحلته وهي تلك الرعديدة التي كانت تخشى خيالها وتثير ضحكات الفتيات اللاتي اتخذنها أضحوكة المدرسة. وما زاد غضبي ودهشتي هو تهافت زميلات الشلة عليها وتملقهن لها، تبًا لهن من منافقات! وفي نهاية الحفلة، أعلنت المضيفة عن تحدي «القلب الميت» وكنت واثقة من فوزي، فلقد كنت دومًا أنا من أبعث الخوف في النفوس، فقلبي ميت كما يقولون، لكن كان لابد من استعادة اللقب وتلقين هذه التافهة المزيفة درسًا لا تنساه، سأجعلها أضحوكة مرةً أخرى، لكن هذه المرة في عقر دارها. وبدأن الفتيات يتجولن في هذه الفيلا التي تشبه المتاهة وقسمن أنفسهن جماعات لدخول غرف الرعب والإثارة للبحث عن حل لغز الجريمة؛ فلقد صنعت بيتًا للرعب في فيلتها! هذه هي السخرية بعينها! وتقدمت الفتيات وفتحت الباب وهن من ورائي والتفت فلم أجدهن! لم أجد إلا تلك المضيفة الغبية تغلق الباب ورائي بكل قوتها وترمقني بغضب دفين جعل قلبي ينتفض أكثر من انتفاضة جسدي من صوت غلق الباب. للمرة الأولى أشعر بهذا الخوف؛ لم أكن أسمع سوى ضربات قلبي ووقع خطواتي على الأرض؛ ما هذه الغرفة الغريبة، إنها تشبه حمام المدرسة، إنها تشبه حمام مدرستنا القديمة! يا لها من غبية! أهكذا تريد إخافتي؟ إن الوقت يضيع لابد أن أبحث عن حل اللغز، لكن ما هي الجريمة أولًا؟ انطفأ النور وسرعان ما عاد لأجد مجموعة فتيات يجرين ويطلق ضحكات عابثة جريت ورائهن ولم أجد إلا صوت باب حديدي يغلق بقوة وطرقات ضعيفة تضرب عليه في إيقاع يكاد يصم أذني، تعالى صوت البكاء والنحيب ولم أجد مصدره. أخذت أقترب أكثر فأكثر حتى وجدت طفلة مختبئة بجوار أحد الأحواض، مددت يدي أرفع رأسها التي كانت تخبئها بين قدميها وترتعد من الرعب، فطرحت أرضًا من هول المفاجأة. إنها هي، مروة! أخذت تبكي وتنتحب وتصرخ وينتفض جسدها وأنا أضحك وألوح لها قائلة: «ستظلين هنا تواجهين خوفك حتى يموت قلبك أيتها الجبانة، لكن هيهات لن تصبحي أبدًا مثلي فأنا صاحبة القلب الميت»! أخذت أبحث عن منفذ للخروج فلم أجد، لقد اختفى الباب الذي دخلت منه وتغيرت معالم الغرفة، لم أجد سوى هذا الباب الحديدي، أخذت أقرعه بكل ما أوتيت من قوة حتى خارت قواي وسقطت مغشيًا عليّ، أو هكذا ظننت! ها أنا الآن أصبحت حقًا قلبًا ميتًا ممددًا على ترولي والبرودة تعتري جسدي وأرى وجوههن تمر أمامي مرورًا سريعًا، لكن لماذا تبدو وجوههن بهذا الشحوب؟! أهذا استقبالهن لي؟! ما هذا الضوء الأزرق المنعكس على وجهي؟ أنا أعرفه جيدًا! إنه ضوء الهاتف المحمول لأحدهم، ما هذا المنشور؟ إنها صورتي؟ ما هذا المكتوب: «وفاة بالسكتة القلبية!»

تعليقات

المشاركات الشائعة